شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
تفسير سورة الكهف
34838 مشاهدة
عدد أصحاب الكهف

قوله: سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ يمكن أن الذين يقولونه أهل زمان النبي -صلى الله عليه وسلم- أي: يتخرصون في عددهم؛ فمنهم من يقول: إنهم ثلاثة، ومنهم من يقول: إنهم خمسة، وهذان القولان لا دليل عليهما، وإنما هو رجم بالغيب. أي: تخرُّص وظن لا دليل عليه.
ثم قال: وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ هكذا أخبر بأنه سبحانه أعلم بعدتهم. لما لم ينتقد القول الثالث الذي فيه أنهم سبعة وثامنهم كلبهم، لم يقل: رجما بالغيب، انتقد القولين الأولين بقوله: رجما بالغيب، ولم يعترض على القول الثالث؛ استدل به على أنه الصواب، وأن عددهم سبعة وثامنهم كلبهم، ويمكن أنهم أكثر، ويمكن أنهم أقل، وذلك لقوله: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ لا يعلم عدتهم إلا قليل من الناس، والأكثرون لا يعلمونهم، وهم الذين اطلعوا عليهم في ذلك اليوم، والذين قالوا: لنتخذن عليهم مسجدا؛ لأنهم رأوهم رؤية عين، ما يعلمهم إلا قليل.
فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ المماراة: المماحكة والمجادلة إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا أي: لا تسأل عنهم أحدا من الناس، بل: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ أي: فوض أمرهم إلى الله تعالى فهو الذي يعلم عددهم، وهو الذي أَطْلَع عليهم من شاء من عباده.